نساء لا يعرفن عن عيدهن شيئا ويرونه خاصا بالـ”المحظوظات”
يعود تاريخ الثامن من مارس من كل عام لتحتفل المرأة بعيدها، فتكون المناسبة فرصة لازدهار تجارة الورود.. وفسحة لعودة شعارات التهليل بدور المرأة في المجتمع وبجلالة ما تقدمه من تضحيات، وتكثر احتفاليات التكريم هنا وهناك
فيكون بذلك هذا “النصف اليوم” لفائدة المرأة تجسيدا ربما لمنطق أن المرأة لا تستحق في عيدها أكثر من نصف يوم، وهو ما يجعل الكثيرات يناضلن من أجل تغيير الأمر بالنظر إلى أحقيتهن بتقدير أكثر من ذلك. كما نجد نساء لا يعلمن بأمر تاريخ عيدهن شيئا ويتخبطن في مشاكل اجتماعية لا تعد ولا تحصى، فيما تحتقر أخريات ذكرى الثامن مارس وتصنفنها في خانة الإنقاص من كرامتهن.
“بزناسيات” يستغلن مناسبة عيد المرأة لجني أرباح طائلة
تعيش ولاية عنابة، خلال هذه الأيام، على وقع التحضير لاحتفالات عيد المرأة، بشكل غير مسبوق، حيث استغل المناسبة عدد من زوجات رجال المال والأعمال ليدخلن عالم البزنسة من بابه الواسع عن طريق كراء قاعات حفلات لا يكثر عليها الطلب لإقامة الأعراس، لتتم عملية الاستفادة منها تحت غطاء جمعوي، أو مقابل مبلغ مالي رمزي.. وتقام فيها حفلات لإحياء المناسبة.
ويحدد ثمن تذكرة الدخول والاستمتاع بهده الحفلات بـ1500 أو 2000 دج. في هدا الإطار نجد أن فئة “الهاي كلاس” من زوجات “المعاليم” هن الأكثر حضورا وإقبالا على مثل هده الحفلات، حيث ستشهد قاعات التاسيلي، قصر شانسال، قاعة تاج فندق صبري، وغيرها من القاعات الفاخرة، تنظيم التظاهرات الاحتفالية التي سيكون الإقبال النسوي مكثفا عليها للاستمتاع بالفنون الغنائية المختلفة ابتداء من المالوف ووصولا إلى الراي، ليتم جني مبالغ مالية هامة مقابل قعدة نسوية يتهافت جميع أصحاب قاعات الحفلات أو زوجات رجال الأعمال بالاشتراك معها لتنظيم احتفاليتها.
في ذات السياق، أعلن طبيب أسنان (ح.بليلي) بوسط مدينة عنابة عن تخفيض هام لجميع النساء اللواتي يطمحن لتصليح أسنانهن أو معالجتها، ابتداء من شهر مارس إلى غاية الثامن منه، في مبادرة اعتبرت فريدة من نوعها بعنابة تدل على “تقدير واحترام الجنس اللطيف”، بينما اعتبرها الكثير وسيلة لاصطياد أكبر من الزبائن لتحقيق أكبر قدر من الأرباح تحت غطاء عيد المرأة، الذي يبقى شديد البعد عن المعاناة الحقيقة للمرأة العنابية، التي تتعرض يوميا لجميع أساليب التهميش والح?رة والاعتداءات في مجتمع يقدس الرجل ولازال يعتبره رائدا يسبق الأنثى التي يستحيل أن تلحق به بأي حال من الأحوال و مهما فعلت، لتنعت تلك التي تعطي الدليل على كفاءتها بـ“الفرس”، هذا المصطلح الذي يرمز إلى المرأة الوقحة التي تنافس الرجل وتريد أن تأخذ مكانه، فتتم مواجهتها بكل شراسة.. وكانت “الفجر” قد وقفت على شهادة مسؤولة سامية في ميدان الهندسة المدنية، وجدت نفسها وسط ضغوطات إدارية صعبة نتيجة عدم تقبل زملائها الرجال اضطلاعها بمسؤوليات هامة تخول لها اتخاذ قرارات هامة تخص العاملين معها بهده المؤسسة، ما أفرز حساسية مفرطة تقول إنها تعرقل سير العمل وتتسبب دائما في ثغرات إدارية خطيرة، عادة ما تكتشفها وتنبه لها في ظل امتعاض رجولي يتمنى ذهابها وانفراده بالمسؤوليات. أمام مثل هذه الممارسات توجد نساء تهين بدرجة كبيرة صورة المرأة العنابية، التي يتم استغلالها بدور الدعارة عبر المدينة القديمة نتيجة الفقر والعوز، ما كان وراء دق ناقوس الخطر للارتفاع المذهل والهائل لمعدلات إصابة النساء بداء السيدا، في الوقت الذي تنعدم مبادرات التكفل بالنساء المطلقات أو العازبات، أوبرامج التوعية والتكفل الاجتماعي والثقافي للفئة النسوية التي وجد البعض منها طريق النجاة في ركوب أمواج الحر?ة..
فهل أصبحت هذه المناسبة وسيلة ماكرة للزيادة في أرباح التجار.. واصطياد أصوات بعض النساء المغفلات في المواعيد الانتخابية؟!
.. وتنكره أخريات نكرانا شديدا
لمعرفة رأي الشارع الجزائري حول الاحتفال بهذه المناسبة، وبالخصوص فئة النساء، ارتأت “الفجر” أن تستطلع آراء مختلف شرائح المجتمع، فكان لها الحديث مع نعيمة، سيدة من البليدة، لمعرفة ما قد تفعله في هذا اليوم، فردت أن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، قائلة: “رفضي لهذه الاحتفالية راسخ في ذهني من منطلق أن الله عز و جل كرم المرأة وأعطاها حقوقا لا تضاهيها أي حقوق في كل القوانين والدساتير البشرية، فلما انتظار الثامن من مارس لتذكر قيمة المرأة ودورها في المجتمع؟!”.
رأي نعيمة لم يختلف عنه فتيات عدة سألناهن عن الموضوع، حيث تفاوتت إجابتهن أنهن يستحقن أكثر من نصف يوم في العام، وأن من أراد الاحتفاء بهن من أزواج أو أهل “فالعام طويل” على حد قول خديجة، طالبة ثانوية.
أما الأستاذة مريم، محامية معتمدة بمجلس قضاء البليدة، قالت:”لست أرى في الاحتفال بهذا العيد من طائلة إلا لتزييف حقيقة الواقع المر الذي تعيشه المرأة الجزائرية، حيث تحول الأمر إلى ما يشبه ذر الرماد في العيون”، واستحضرت محدثتنا تفاصيل واقعة فصلت فيها محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة، العام الماضي بتاريخ الثامن من مارس، كانت فيها زوجة أحد بارونات المخدرات طرفا بعد أن زج بها هذا الأخير في عالم الانحراف، قبل أن تنصفها العدالة بتبرئتها من التهم التي نسبت إليها آنذاك قائلة: “لا زلت أذكر الأمر لأن رمزيته كانت كبيرة بالنسبة لي فالنساء من ضحايا مجتمعنا كثيرات، في الوقت الذي نحتفل به نحن كل بطريقته بتاريخ اسمه عيد المرأة!”.وإن كان هذا حال حواء المتعلمة التي يرفض تفكيرها الاحتفال بمناسبة تحتفي بها وبشخصها لقناعات شخصية، فإن هناك من جنس حواء من لا تسمع بتاريخ الثامن من شهر مارس إلا عن طريق التلفزيون.. وقد لا تعيره اهتمامها ليس لأن اعتقادها ينبذه، بل لأنها ترى الأمر خاصا بفئة معينة من المحظوظات اللواتي تمكن من فك قيود الرقابة والتحفظ الممارس عليهن في مجتمع يسوده الجنس الخشن، لدرجة أنهن يؤمنّ بأنه لا نصيب لهن من عيدهن إلا ما قد تجود به شاشات التلفزيون عليهن من مظاهر الاحتفال بالثامن من شهر مارس..
العاقل زهية
المشاركات يطلبن الدعم ويبدين استعدادهن للعمل
المعرض الوطني الرابع لمرافقة المرأة يجمع بين العصاميات والجامعيات
أبدت المشاركات في المعرض الوطني الرابع الخاص بتكوين ومرافقة المرأة - أساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المنعقد على مدار أسبوع بمقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين بالعاصمة، حبهن وتمسكهن بالحرف التقليدية، فلا تنقصهن سوى الإمكانيات للعمل أكثر والحفاظ على التراث المتنوع الذي تزخر به البلاد.
تجولنا في أجنحة المعرض المختلفة، وكان لنا حديث مع النساء الحرفيات القادمات من مختلف ولايات الوطن للتعريف بتقاليدهن العريقة، والشيء الذي لاحظناه هو تمسك كل واحدة بتراث منطقتها ودفاعها عنه رغم نقص الإمكانيات وبساطتها. ولعل ما يميز المعرض هو مشاركة من مختلف الأعمار والفئات حتى ذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي لم تمنعهن إعاقتهن من الحضور لإظهار ماأتقنناه من حرف تقليدية.
عصاميات وجامعيات جمعتهن الحرف التقليدية
خلال تجولنا في المعرض، التقينا بفتيات جامعيات أنهين دراستهن وتحصلن على شهادات عليا، لكن لم يسعفهن الحظ في الظفر بمنصب شغل، بالرغم من ذلك لم يفقدن العزيمة والإرادة في العمل، فاخترن تعلم بعض الحرف والصناعات التقليدية.. وهو حال نسرين البالغة من العمر 27 سنة، متحصلة على شهادة ليسانس في الحقوق، التي قدمت من تسمسيلت حاملة معها مجموعة من اللوحات التشكيلية، التي أدخلت فيها بعض المواد الأولية البسيطة كالمطاط والعجينة الكيميائية، حيث أخبرتنا أن الاحتكاك بالمعارض زاد من تجربتها، خاصة أنها عصامية دخلت عالم الفن التشكيلي لأنها موهوبة فأبدعت فيه.
نفس الشيء أخبرتنا به حرفية من ولاية المدية، التي أكملت دراستها الجامعية ثم دخلت عالم الطرز على القماش، فأبدعت في طرز المفروشات والوسائد.
ماكثات في البيت اتخذن الحرف التقليدية مصدرا للرزق
كثيرا ما تفرض الظروف المادية الصعبة على البعض تعلم حرفة تقليدية تقيه شر الفقر، وهو حال السيدة قراب، 58 سنة، القادمة من تيزي وزو، التي تصنع تحفا فنية من الطين وتزينها بطريقتها الخاصة فتعبر على تراث المنطقة العريق، تقول المتحدثة إن هذه الحرفة هي مصدر رزق العائلة، وتطلب من السلطات دعمها لشراء فرن ومحل لتسويق منتوجاتها.
كما حدثتنا صاحبة الورشة المسماة “مسك الغنائم”، من ولاية مستغانم، أنها تحترف صناعة النسيج والزرابي التقليدية المتنوعة بين الزربية البربرية وزربية تيزي وزو، وبجاية وشرشال، وأنها بدأت مؤخرا في نسج نوع من القماش بواسطة الصوف ليستخدم في خياطة السترات الشتوية، وقالت المتحدثة إن كل المنتوجات التي تعرضها تمت صناعتها في آلة نسج واحدة، وعليه وجهت نداء للسلطات من أجل توفير الإمكانيات اللازمة لزيادة الإنتاج والحفاظ على هذه الحرفة التقليدية من الزوال، خاصة أنها مصدر رزق للعديد من العائلات.
وكثيرة هي الأمثلة التي صادفناها في المعرض.. فمن ولاية سعيدة الحاضرة من خلال صناعة الطين والزريبة التقليدية، إلى ولاية تيبازة التي أبدعت أنامل نسائها في صناعة الفخار والسلال وزربية الدوم، والتي لا تزال العائلات التي تقطن في الجبال تصنعها وتستخدمها في حياتها اليومية، كلهن يعملن من أجل كسب قوت يومهن.
الروتين دفع بعض النساء إلى الابتكار
في هذا السياق، أخبرتنا السيدة بن مية، ماكثة في البيت وأم لستة أطفال، أنها في كل مرة تزور المعارض ترى نفس الشيء يعرض، فقررت إدخال شيء جديد، وبالفعل بدأت حرفة التزيين بالمرايا والزجاج، وكانت الانطلاقة من بيتها، فزينت أثاث غرفة الاستقبال بقطع الفسيفساء الزجاجية فحولت الكراسي والأسرة والمرايا إلى تحفة فنية تسحر الأعين.. مضيفة أنها تعمل بواسطة أدوات بسيطة داخل المنزل، لهذا فهي تسعى للاستفادة من قرض مصغر لشراء بعض آلات تقطيع وصقل الزجاج.
وهو حال الآنسة مكيد، من تسمسيلت، التي حولت بعض الخامات البسيطة إلى أدوات ديكور عصرية مزجت فيها بين صناعة الشموع والتزيين بالورود، تقول المتحدثة إنها تعتمد على إذابة الشمع وتحويله إلى باقات ورود ملونة، كما أنها تصنع أنواعا أخرى من الورود بواسطة عجينة السيراميك والعجينة الكيميائية لتزين بها الإطارات والمزهريات والأطباق المختلفة وتضفي عليها لمستها الفنية الراقية.
حرفيات يشتكين من نقص التسويق
واشتكت آنسة المتحدثة من نقص تسويق المنتوج الذي يقتصر على “المعارف” والأقارب، وطالبت السلطات بدعمهم بماكنات الخياطة والطرز، كونها لا تستطيع الاستفادة من قرض مصغر نظرا للشروط الموضوعة. على العكس، فإن جمعية المنيعة بولاية غرداية تقول إن التسويق في منطقة الصحراء يسير على ما يرام، وأنها تبيع منتوجاتها تحت الطلب، موضحة أن ما يميز المنطقة هو النسيج والطرز اليدوي المعبر عن التراث.
وهو الشيء الذي شاطرت الرأي فيه ممثلة اليزي، التي قالت إن بعض المنتجات سوقت خارج الوطن وفي الأغلب إلى إيطاليا، منها علب حفظ السجائر المصنوعة من جلد الماعز وعلب منحوتة من الحجر.
كريمة هادف