مبارك المعجزة
كان أخطر ما فعله نظام حكم مبارك خلال ثلاثين عاماً هو تدمير الأخلاق، وإشاعة منظومة قيم ساقطة فى كل مواقع العمل والإنتاج والإدارة، ولا توجد مؤسسة مصرية واحدة أفلتت من التخريب الأخلاقى المتعمد، حتى أصبح كل العاملين فى مكان واحد لا يجمعهم غير مشاعر الحقد والتربص والرغبة فى التشفى والانتقام.خلال ثلاثين عاماً تشكلت فى مصر عصابة رهيبة عملت بدأب مخيف على استبعاد أصحاب الكفاءات المهنية من مناصب الإدارة العليا، وقامت بتصعيد الأقزام وعملاء الأجهزة الأمنية والضعفاء مهنياً وأخلاقياً، وخلال سنوات قليلة من حكم مبارك وزوجته، تحولت أماكن العمل إلى بيئة مريضة تسودها أخلاقيات انتهاز الفرص والنميمة والتملق، وكانت أدنى محاولة لمقاومة هذا المناخ تعرض صاحبها لحرب ضارية تغتاله أدبياً ومعنوياً، وفى أحيان كثيرة أسفرت هذه الحروب القذرة عن تلفيق تهم للأبرياء أدت بهم إلى المحاكمة وتلويث السمعة والسجن!ومع ظهور جمال مبارك على الساحة السياسية تعمقت أساليب الفساد والإفساد الأخلاقى، وانحدرت مصر مهنياً وأخلاقياً إلى الحضيض، بعد أن استعان هذا الشاب بحشد من أرذل الناس وأشدهم إجراماً، استخدمهم فى إهانة الشرفاء وترويعهم، والمؤلم حقاً أن هذه العصابة المجرمة عمدت إلى تجريد المواطنين من أى حماية قانونية أو قضائية، وكان أخطر ما حدث هو أن بعض دوائر المحاكم كان عوناً لهذه العصابة. وعندما قامت الثورة، كان واضحاً من الوهلة الأولى أن أحد أهم أهدافها هو الإصلاح الأخلاقى، واستنهاض منظومة القيم النبيلة التى خنقها نظام مبارك وزوجته وابنه، وجاء تعبير «أخلاق الميدان» بنبله وطهارته وسماحته ورحابة أفقه، ليؤكد أن الوعى الجمعى للأمة فى أشد الاحتياج إلى ثورة أخلاقية.
